قصة قصيرة: لا تحكم على الناس
في أحد الأيام الصيفية الحارة، كانت شوارع المدينة مليئة بالناس الذين يسيرون ببطء تحت أشعة الشمس الساطعة. كان الجميع مشغولًا في البحث عن الظلال أو الدخول إلى محلات بيع العصائر المثلجة. بين هذه الزحمة، كان هناك رجل مسن يُدعى سعيد، يحمل حقيبة صغيرة ويمشي بصعوبة. كان جسده مائلًا قليلاً للأمام وكأن الزمن قد أخذ منه كل ما لديه. مرت دقائق، ثم اقتربت منه مجموعة من الشبان يتحدثون بمرح وضحك، ومن بينهم كان هناك شاب يُدعى كريم.
نظر كريم إلى الرجل المسن وتفاجأ بمنظر حقيبته المهلهلة وحركاته البطيئة. لم يعرف لماذا، لكنه شعر بشيء من الاستهزاء والتهكم تجاهه. وعلى الفور بدأ يعلق بصوت عالٍ بينما يضحك أصدقاؤه: “انظروا إلى هذا الرجل، يبدو وكأنه قادم من زمن آخر، من المؤكد أنه ضاع في الطريق!” ثم أضاف بسخرية: “هل يعقل أن يكون أحدهم بهذه البؤس؟”
ثم استمروا في سيرهم دون أن يلتفتوا إليه، بينما استمر سعيد في مشيه البطيء وكأن الكلمات لم تمس قلبه، لكنه في الحقيقة كان يشعر بثقل الكلمات على روحه.
بعد عدة أيام، كان كريم في طريقه إلى عمله، وكانت الساعة تقترب من السابعة صباحًا. كان لا يزال يشعر بالكسل ولم يكن مستعدًا لمواجهة يوم جديد. وبينما كان يتنقل بين زحام السيارات، شعر بشيء ثقيل على قلبه، وعينيه اتجهت بشكل غير واعي نحو أحد الأرصفة. فجأة، توقفت عيناه على رجل مسن يحمل حقيبة صغيرة ويتنقل بصعوبة بين الحشود.
كان نفس الرجل الذي رآه في اليوم المشؤوم قبل أيام. لكنه الآن كان في وضع مختلف. لقد كان ذلك الرجل يقف على الرصيف مقابل متجر صغير، وفي يديه كان يحمل ورقة بها عناوين وأرقام هواتف. بدت عليه ملامح الإرهاق، لكن على وجهه كان هناك ابتسامة هادئة ومتوازنة، وكأن تلك الابتسامة تحمل قصة من الصبر والتحمل.
اقترب كريم من الرجل المسن، وفي خطوة غير متوقعة، تردد قليلاً قبل أن يحييه قائلاً: “صباح الخير”. ابتسم الرجل وقال بلطف: “صباح النور، هل تحتاج إلى مساعدة؟”
فاجأ كريم كلام الرجل، إذ لم يكن يتوقع هذه الجملة الهادئة من شخص كان قد حكم عليه في الماضي بتهكم. ولكن، بما أن كريم كان في عجلة من أمره، فقط أومأ برأسه وعاد ليكمل سيره نحو عمله.
في ذلك اليوم، شعر كريم بشيء غير مريح في قلبه. كانت تلك الابتسامة، التي رأتها عيناه على وجه الرجل المسن، تطارده طوال اليوم. تذكر ما قاله هو وأصدقاؤه عنه من قبل، وكيف حكموا عليه من خلال مظهره وحركاته. في الحقيقة، بدأ كريم يشعر بالذنب. فماذا لو كانت تلك الابتسامة تعني شيئًا أكثر من مجرد رد فعل لحظة؟ ماذا لو كان الرجل قد مر بتجارب حياتية أكثر مما يستطيع فهمه أو تخيله؟
مرت الأيام، وكريم لا يزال يشعر بذلك الإحساس الغريب. في أحد الأيام، قرر أن يعود إلى نفس المكان الذي رآى فيه الرجل المسن. وعندما وصل، وجد الرجل في نفس المكان، واقفًا على الرصيف، يحمل ورقة مليئة بالأرقام والعناوين.
اقترب منه كريم هذه المرة بحذر، وقال له: “أعتقد أننا التقينا من قبل. أعتذر عن ما قلته لك في المرة السابقة. لم يكن ذلك في محله.” ابتسم الرجل المسن وقال: “لا عليك، يا بني، الكلمة لا تكاد تخرج من الفم قبل أن تذهب، ولا أظن أنني حزين من أجلها. قد يظن بعض الناس ما يشاءون، ولكن في النهاية ليس المهم ما يظنه الآخرون، بل كيف نكون نحن في داخلنا.”
جلس كريم بجانبه وبدأ يستمع إلى قصة الرجل المسن. اسمه سعيد، وكان يعمل في مجال المحاسبة طوال حياته. في سنواته الأخيرة، قرر أن يكرس وقته في مساعدة الناس. كانت وظيفته الصغيرة التي يحملها معه عبارة عن أرقام وعناوين منازل لأولئك الذين كانوا بحاجة إلى معونة. لم يكن سعيد فقيرًا، لكنه كان يعتقد أن الثروة الحقيقية تكمن في العطاء، وفي تقديم المساعدة للآخرين.
بدأ كريم في فهم أنه كان مخطئًا في حكمه على سعيد من أول نظرة. لم يكن سعيد رجلًا بائسًا كما ظن، بل كان شخصًا حكيمًا ملؤه الطيبة والتواضع. وبينما كان يجلس بجانبه، أدرك كريم أن الحياة مليئة بالقصص التي لا نعلمها، وأننا لا يمكن أن نحكم على الناس بناءً على مظاهرهم فقط.
منذ ذلك اليوم، قرر كريم أن يتجنب إصدار الأحكام السريعة على الآخرين، وأصبح أكثر تواضعًا وتفهمًا. وعندما التقى بسعيد مرة أخرى بعد فترة، لم يكن كريم هو الشخص الذي يسخر منه، بل أصبح أحد الأشخاص الذين يستفيدون من حكمته وحياته المبنية على العطاء.
